الصفوية والوهابية

[font=Times New Roman]الصفوية والوهابية
ما أشدّ ظلم من يتخذ الدين سلّما لمآربه الشخصية وأطماعه الدنيئة ، وقد ظهرت على مرّ التاريخ الإسلامية حركات فكرية إتخذت من تفسير شاذ لجزئيات إسلامية منهجا وتطرفت في الإلتزام به كالخوارج والمعتزلة ، ولكنّها لم تفتر على الشرع ولم تدخل نصوصا غير موجودة ، وسرعان ما تهاوت هذه الأفكار أمام التفسير المتزن المتناسق مع باقي النصوص الشرعية ليستمر الفهم الشرعي للنصوص بما يتناسب مع المقاصد العامة لسماحة الإسلام وبناءه الرصين للمجتمع .
إلا ما نجد في حركتين متطرفتين ظهرت في التاريخ الإسلامي وهي الصفوية والوهابيّة فقد سلكت هاتان الحركتان منهجا متشابها بينهما بشكل كبير من حيث التلاعب بالنصوص مع الإختلاف في صيغة ذلك التلاعب ، فالأولى أي الصفوية قد تلاعبت بذات النصوص وألّفت نصوصا تتناغم مع ما تروّج له وإبتدعت آليات لنشر تلك النصوص ليتقبلها البسطاء منها كإدّعاء رؤية نبي أو إمام وقوله لحديث فيها أو توجيه فجعلوه مصدرا تشريعيا ، وافقهم في ذلك مجموعة قليلة من حمقى شذّت عن الصوفية وتوكّأ أصحاب المنهج الوهابي المارق على ذلك المسلك الشاذ من أدعياء التصوّف ليشنّعوا على التصوّف النقي الذي حرص على نشر التزكية القلبية التي كانت من المقاصد الشرعية الأساسية في الرسالة الإسلامية بقوله تعالى قد أفلح من زكّاها .
ففي محاولة بائسة منهم لتشويه هذا المنهج الراقي في التربية القلبية للتخلي عن الصفات الرذيلة والتحلي بالصفات الجميلة ولأغراض سياسية أبينها لاحقا، حاولوا الربط بين الصفوية والصوفية تكلّفا ووقع بعض المثقفين الجاهلين بحقيقة التصوّف في فخّ اولئك الوهابية فإرتكزوا على ثلاث محاور،
أولها القومي فالصفوية من الفرس والتصوّف من الفرس وهذا جهل كبير فالتصوّف في كلّ البقاع الإسلامية ومنشأ التصوف الإمام الحسن البصري وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة وكانوا قرب بلاد فارس التي تلاقفت الإسلام بكلّ جوانبه ومنه التصوّف إلا أنّ التصوّف لم ينحصر بهم كما إنحصرت الصفوية ،
و
تجد الشيعة كذلك من كل القوميات فهي ليست كالصفوية من الفرس حصرا . وأبرز الصوفية محي الدين بن عربي المغربي البريء مما نسب إليه من شذوذ فكري بعد التحقيقات العلمية الدقيقة وصلاح الدين الأيوبي ومحمد الفاتح والعز بن عبد السلام والإمام الشعراني وأبي الهدى الصيادي وعمر المختار وعبد القادر الجزائري ولا حصر للعلماء المسلمين السالكين للتصوّف فلم يقتصر التصوّف على الفرس لنقول إنّها وسيلة فارسية لنقض الإسلام والهيمنة بأفكار باطلة عليه .
ومحور التشبيه الثاني هو قطب التصوف بإعتباره منصبا روحيا إلهيا وهذا لا يتكلّم به على الأغلب إلا بعد وفاة الولي المربي ، ولم يسٌد الناس يوما شيخا بإعتباره قطبا إذ هو ليس منصبا لسيادة الناس ولا يتفق عليه الناس إلا بعد ظهور علامات لسلوكه النقي السليم الراقي في الأدب والإلتزام ،
والمحور الثالث هو التشريع إعتمادا على الرؤيا أو القول الخاص عند الصفوية ونسب ذلك إفتراءا على الصوفية حيث يصرّح أكابر علماء الصوفية المعتبرين بأنّ الكتاب والحديث هما المصادر التشريعية المعتمدة ولا إعتبار مقبول للرؤية أو الحال إلا فيما يؤيد الكتاب والسنة من باب بيان بركة تلك الآثار لا تشريع جديد مضاف كما فعلت الصفوية. وكل ما يخالف الشرع فهو مرفوض من قبل الصوفية ونسبة السحر للصوفية هو الجهل المدقع،
فلا تشابه بين الصفوية والصوفية إلا في إفتراءات الوهابية لمقاصد سياسية تسقيطية.
أمّا الوهابيّة التي تلاعبت بمفاهيم النصوص ليس لفهم في جزئية معينة كباقي الحركات الفكرية الشاذّة التي إضمحلت ،
بل لتسييس الدين ولإستغلاله لمصلحة جهات تتاجر في الدين فمبتدعوا الوهابية علموا حرمة الخروج على الحاكم المسلم إلا ببيعة لم يكونوا ليحصلوا عليها لبوار بضاعتهم ،
فإبتدعوا التكفير للمسلمين بتفسير متطرّف فاسد لمن يزور القبور ليشمل ذلك الحاكم المسلم الذي لم يكن ليمنع زيارة قبر النبي محمد عليه وعلى آله وصحبه الصلاة والسلام أو التوسل الشرعي الذي أقرّه علماء المسلمين على مرّ العصور ،
فبذلك أباح لنفسه الوهابي دماء الحاكم والمسلمين وأموالهم بعد أن أوقعهم في الشرك بل وأباح لنفسه جلب الإستعمار البريطاني سابقا والتعاون معه لإسقاط الدولة العثمانية وهذا هو الهدف الرئيسي من الحركة الوهابية ، ومن ثمّ تسليمه بلاد المسلمين وخيراتهم للبريطانيين ، ولاحقا جلب الأمريكان وسلّمهم خيرات بلده ونفطه ليحتل الأمريكان بها بلدان إسلامية أخرى كالعراق ولينشر الفتن في البلدان الأخرى كما هو معلوم وآخرها سوريا.
ومن سلوكيات الحركة الوهابية الشاذّة هي محاولة ليّ النصوص بما يتوافق مع بدعتهم والتلاعب بالأحاديث التي تنقض فكرهم وتضعيفها بأسلوب ماكر ليبطلوا حجّيتها ، ثمّ تحريف نصوص قالها علماء لا يستطيعون تجاوزهم وإخفاء احاديث في طبعاتهم لكتب الحديث تنقض بدعهم ، ومن فضائحهم محاولة إخفاء مؤلفات شيوخ يعتبروهم أصل علومهم كالشيخ إبن تيمية رحمه الله فيما يخصّ مدحه للتصوّف النقي وعلماء التصوّف الأكابر فلا تجد في إصداراتهم (لسيديات) كتب الشيخ إبن تيمية الجزء العاشر من الفتاوى الكبرى الخاص بالتصوّف ، كلّ ذلك يعطينا مؤشرا واضحا أنّ الوهابيين ليسوا طلاب حقّ وعلم بل متلاعبون بالنصوص لغايات سياسية كما فعل الصفويون من قبلهم.
من هنا كان التشابه الكبير في تخريب الإسلام النقي بين الصفويين والوهابيين مع أنهما على طرفي نقيض ، ولذلك وحده كان تنميتهما من قبل المحتل الأمريكي اليد العسكرية للصهاينة ،
فأوّل ما إحتلوا العراق سلّموه للعصابات الصفوية والآن يدعون الوهابيين ليتخندقوا ضدّ الصفويين ، أمّا محاولة تشويه التصوّف فهم ضمن آلية الترويج للوهابيّة الطائفّية فكلّ عالم مسلم يفضح المخطط الصهيوني لابدّ أن يكون من علماء المسلمين الذين جمهورهم يحترم التصوّف ويؤمن بالمعتقدات الإسلامية الشرعية كالتوسل وزيارة قبور الأنبياء والصالحين وبهذا سيكون تكفيرهم للعلماء المحترمين حماية للمخطط الصهيوني الطائفي،
فمفتي العراق العلامة الشيخ عبد الكريم المدرس يسقطوه بأنّه نزيل حجرات المدرسة القادريّة التابعة لمسجد الولي الصالح الشيخ عبد القادر الجيلاني والشيخ الشعراوي يسقطوه لأنّ دروسه في مسجد سيدنا الحسين رضي الله عنه وهكذا ليخلوا الجو بيد المراهقين الوهابيين ينشروا التكفير والطائفية في فضائياتهم المسمومة ، وكذلك فعلوا بإتهام العلامة المفضال الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي بعد فضحه اللعبة الصهيونية في سوريا فقالوا صوفي مشرك وهو العلامة الذي أعطي جائزة دبي التي تعطى لأكثر العلماء خدمة للعلم والدين .
فالصهيونية بذلك ضربت عصفورين بحجر أولهما نشر القتل بين المسلمين وثانيهما ضمان عدم تمكّن إسلام حقيقي بعد إنتشار هذين المنهجين التخريبيين بين المسلمين.
فالحذر الحذر من المنهجين الباطلين الطائفيين الذين لا تقوم للإسلام قائمة بوجودهما.